نزار قباني: قنديل أخضر على باب دمشق
نزار قباني (1923-1998): شاعر سوري اشتهر بأعماله الرومانسية والسياسية الجريئة. تميزت قصائده بلغة سهلة وجدت بسرعة ملايين القراء في أنحاء العالم العربي. ولد نزار من عائلة دمشقية، درس القانون في جامعة دمشق وتخرج عام 1945. عمل سفيراً لسوريا في مصر وتركيا وبريطانيا والصين وإسبانيا قبل أن يتقاعد عام 1966. انتقل إلى بيروت (لبنان) حيث أسس دار نشر خاصة تحت اسم "منشورات نزار قباني". بدأ أولاً بكتابة الشعر التقليدي ثم انتقل إلى الشعر العمودي، وساهم في تطوير الشعر العربي الحديث إلى حد كبير. كان لانتحار شقيقته التي أجبرت على الزواج من رجل لم تحبه، أثر كبير في حياته، وتناولت كثير من قصائده قضية حرية المرأة. تناولت دواوينه الأربعة الأولى قصائد رومانسية. وكان ديوان "قصائد من نزار قباني" الصادر عام 1956 نقطة تحول في شعر نزار، حيث تضمن هذا الديوان قصيدة "خبز وحشيش وقمر" التي انتقدت بشكل لاذع خمول المجتمع العربي. تميز قباني أيضاً بنقده السياسي القوي، من أشهر قصائده السياسية "هوامش على دفتر النكسة" 1967 التي تناولت هزيمة العرب على أيدي إسرائيل في نكسة حزيران. من أهم أعماله "حبيبتي" (1961)، "الرسم بالكلمات" (1966) و"قصائد حب عربية" (1993).
ما يثير الانتباه في شعرية نزار قباني هذا الحضور العنيف للمكان، أقصد على وجه التحديد حضور دمشق، دمشق عشيقة نزار الأبدية، المدينة التي ما فتئت تحفرُ في صوتِهِ وجسدِهِ، خطابه أنفاقاً وصدوعاً، المكان الذي لم يستطع نزار التملُّص من سطوته واستحواذه، ولذلك نجد الشَّاعر يخصُّه بكتيِّبٍ ذي عنوان دالٍّ «دمشق نزار قباني»،
عنوانٌ، تركيبٌ يجتمع فيه اسما علم: «دمشق» و«نزار قباني» إمعاناً وتوغلاً في التخصيص والتحديد في تحدٍّ سافرٍ لمنطق النحو بإضافة المعرفة إلى المعرفة:
(دمشق .. نزار قباني)
عنوانٌ يُشبهني أكثر من كلِّ التصاوير التي أُخذت لي ..
منذُ ولادتي حتى اليومْ ..
عنوانٌ جميلٌ، ومثيرٌ، ويختصرني بثلاثِ كلماتْ.
عنوانٌ يجعلني محفوراً في ذاكرة الناس ..
كما رباعيات الخيام.
وغزليات عمر بن أبي ربيعة.
وخمريات أبي نُواسْ.
و(سوناتات) بيتهوفن.
بعد صدور هذا الكتاب، لن تجدوا مشقَّةً في العثور عليّْ.
فعنواني موجودٌ في مفكّرة أيةِ وردةٍ دمشقية ..
ولغتي مشتَّقةٌ من مفردات الياسمين ..» .
بهذا الجمع، أو الإضافة بين «المكان» و«الكائن» يقع التَّماهي، ويحدث التداخل؛ ليتعرَّف المكان بالكائن، والكائن بالمكان، فأشياء المكان من وردٍ وياسمين .. تمنح الكائن هويته، عنوانه، لغته، هكذا يحتاز نزار قباني على مكانه، شآمه، ويحتاز المكان على شاعره حيث يغدو كلٌّ منهما صورةً للآخر.
يبتدىء هذا الكتيِّب بتصديرٍ يتمرأى فيه هذا الشغف المكاني، هذا العشق لـ«دمشق» وهذا الهيام بها، تصديرٌ ممهور باسم الشاعر على النحو الآتي: «كتبَ الله أن تكوني دمشقاً، بك يبدأ وينتهي التكوين»، فالتسمية(دمشق) تأتي بأمر ميتافيزيقي، لا للبشر يدٌ فيها، ولهذا يمتلك المكان القدرة على إلغاء كل الأمكنة والفضاءات الأخرى، لتكون دمشق ــ المكان هي البداية والنهاية، المكان السرمدي الذي ينجز فيه «التكوين» شؤونه وكينونته، كما لو أنَّ «دمشق ـ المكان»، وفق تصدير الشاعر، هي الصورة النهائية للتكوين مكاناً وكائناً؛ لأنها تكتسب سلطتها، قوتها، من الميتافيزيقا، ولهذا يبدأ بها العالم وينتهي!
ولهذا ليس من الغرابة بمكان أن تتكلم «دمشق ــ المكان» من خلال الكائن/ الشاعر، ليغدو الشاعر امتداداً لها، يكتب الشاعر في مقدمة هذا الكتيِّب:
«لا أستطيع أن أكتبَ عن دمشق، دون أن يُعرِّشَ الياسمين على أصابعي.
ولا أستطيع أن أنطقَ اسمها، دون أن يكتظَّ فمي بعصير المشمش، والرمان، والتوت، والسفرجلْ.
ولا أستطيع أن أتذكّرها، دون أن تحطَّ على جدران ذاكرتي ألف حمامةٍِ ..وتطير ألف حمامة»(1).
هكذا يغدو الكائن صورةً للمكان، إذ يمتدُّ فيه المكان ويترك فيه ذكرياته، أشياءه، لتكون «دمشق»، ذلك المكان الذي يحفر بقوة في ساكنه، لتكون مرهونةً في تجليها كتابةً ونطقاً وتذكُّراً بما يؤكدها، بما يشير إليها؛ فلا تنفصل «دمشق» عن الياسمين والمشمش، والرُّمان، والتوت، والسفرجلْ والحمام، فهذه الأشياء تؤكِّدُ دمشقيةَ الكائن ودمشقيةَ دمشق، فلا «دمشق» دون ياسمين ومشمش وتوت، دون حمام، بل لا دمشقيَّ من لم تتكلم هذه الأشياء في كتابته وصوته وذكرياته.
في هذا العنوان اللافت: «دارنا الدمشقية»، يرسم لنا نزار قباني «دمشق الصغرى»: دمشقه إن صحَّ ذلك، البيت العتيق كما سمّاه الذي ولد فيه، قارورة العطر التي انزلق فيها الشاعر فور ولادته، وانطلقت منها صرخته الأولى، معلنةً بدايةَ كنيونته:
«هل تعرفون معنى أن يسكن الإنسان في قارورة عطرٍ؟ بيتنا كان تلك القارورة.
إنني لا أحاول رشوتكم بتشبيه بليغ، ولكن ثقوا أنني بهذا التشبيه لاأظلم قارورة العطر ..وإنما أظلم دارنا.
والذين سكنوا دمشق، تغلغلوا في حاراتها وزواريبها الضيقة، يعرفون كيف تفتح لهم الجنة ذراعيها من حيث لا ينتظرون»(2).
لا فرق على أية حال أن تك «قارورة العطر بيتنا» أو «بيتنا قارورة عطرٍ» ففي التشبيه البليغ تنمحي الحدود والهويات عبر التماهي والانصهار؛ ليولد كائن لغوي جديد: «قارورة العطر ــ بيتنا»، لكن هذا الكائن اللغوي ليس مبعث التعجب والدهشة لمن سكن دمشق، فدمشق هي الجَنَّة، هي المكان الخالد، هي الأسطورة، وليس «قارورة العطر ــ بيتنا» إلا جانباً منها، علامة من علاماتها في نظر نزار قباني، فالشاعرية طاقة كامنة في المكان، يهبها المكان لساكنه:
«كان اصطدامي بالجمال قدراً يومياً. كنت إذا تعثرتُ أتعثَّرُ بجناح حمامة .. وإذا سقطت أسقطُ على حضن وردة..
هذا البيت الدمشقيُّ الجميل استحوذ على كلِّ مشاعري وأفقدني شهيّة الخروج إلى الزُّقاق .. كما يفعل كلُّ الصبيان في كلِّ الحارات .. ومن هنا نشأ عندي هذا الحسَّ (البيتوتي) الذي رافقني في كلِّ مراحل حياتي.
طفولتي قضيتها تحت (مظلّة الفيء والرطوبة) التي هي بيتنا العتيق في (مئذنة الشحم).
ان هذا البيت هو نهاية حدود العالم عندي، كان الصديق، والواحة، والمشتى، والمصيف ..
على السجادة الفارسية الممدودة على بلاط الدار ذاكرتُ دروسي، وكتبت فروضي، وحفظت قصائد عمر بن كلثوم، والنابغة الذبياني، وطرفة بن العبد ..
هذا البيت ــ المظلة ترك بصماته واضحة على شعري.».
كما لو أنَّ الشاعر من خلال هذه الشذرة يبتغي القول إنَّ الجمالَ يخلق الجمال، والمكان الشاعري يدفع بالكائن الشاعريِّ إلى الولادة والتجلي، ومن هنا التركيز على الجمال الذي تختزنه «دمشق ــ المكان» في أحيازها، بيوتاتها، ياسمينها، نارنجها، ليلكها، بل إنَّ الأمر يتجاوز ذلك حينما يعكس الشاعر تلك العلاقة القائمة بين الكائن والطير والورد في إشارةٍ إلى الألفة، الأنس المعقودة/المعقود بين كائنات المكان، ليصبح المكان ذلك الفاعل، المؤثِّر الذي يترك آثاره، بصماته واضحة على الممارسات الدلالية للكائن، فالكائن سليل المكان، يتشكَّل به، فكيف إذا تمثَّلَ هذا المكان بـ«دمشق»:
«ولقد سافرتُ كثيراً بعد ذلك، وابتعدتُ عن دمشق موظفاً في السلك الدبلوماسي نحو عشرين عاماً وتعلَّمتُ لغاتٍ كثيرة أخرى، إلا أنَّ أبجديتي الدمشقية ظلت متمسكة بأصابعي، وحنجرتي، وثيابي، وظللتُ ذلك الطفل الذي يحمل في حقيبته كلُّ ما في أحواض دمشق، من نعناع، وفلٍّ، ووردٍ بلدي.
إلى كلِّ فنادق العالم التي دخلتها .. حملتُ معي دمشق. ونمتُ معها على سرير واحد».
تتخذ دمشق شكل القدر، قدر الشاعر، التعويذة الذي تسيِّجه، السحر الذي يستبدُّ به، فيغدو مسحوراً، لا طاقةَ له على تفكيك شفراته، ألغازه، كائن مسلوب تماماً من هذا المكان الساحر الذي يُسمَّى «دمشق»، فالنعناع الذي يحيط بالشَّاعر طفولةً، والفلُّ الذي يتساقط عليه، والورد الذي يحضن سقوط الطفل ــ الشاعر، كلُّ ذلك بات يتجلَّى، عبر صياغة كينونته شعراً، قصائد يزرعها الشاعر في أرض اللغة، هكذا تَهَبُ دمشق الشاعرَ جمالها، ليردَّ عليها بالشعر ــ الجمال. تتوغَّل «دمشق» في لغة الشاعر، إلى حَدِّ أنَّ أبجديتها ليست إلا صورةً، تمثيلاً لكائنات المكان:
«كلُّ حروف أبجديتي مُقتلعةٌ حجراً حجراً من بيوت دمشق ... وأسوار بساتينها، وفسيفساء جوامعها...
قصائدي كلُّها معمّرة على الطراز الشامي ..
كلُّ أَلِفٍ رسمتها على الورق هي مئذنةٌ دمشقية ..
كلُّ ضَمةٍ مستديرة هي قبَّةٌ من قباب الشام ..
كلُّ حاءٍ هي حمامةٌ بيضاء في صحن الجامع الأمويِّ ...
كلُّ عينٍ هي عينُ ماء..
كلُّ شينٍ هي شجرةُ مشمشٍ مُزهرَة ..
كلُّ سينٍ هي سنبلةُ قمحٍ ..
كلٌّ ميمٍ هي امرأة دمشقية .. وما أكثر الميمات في دواوين شعري ..
وهكذا تستوطن دمشق كتابتي، وتشكِّلُ جغرافيتها جزءاً من جغرافية أدبي ..»
يتراءى للمتأمل في هذه الشذرة أنَّ دمشق أو دمشق ــ المكان هي نوع من المكان البؤري، المكان ــ البؤرة الذي يشكِّل محور كينونة الكائن، الكينونة التي تتخذ من هذا المكان محارةً لها، فيهَِـ"ـا" تنبثق، وتضجُّ بالحياة، وإليهَِـ"ـا" تعود، وهذه حال نزار قباني مع دمشق، فهذا المكان ــ المستحيل هو مفتاح شعر نزار، ذلك أنَّ دمشق تَسـِمُ هذا الشعر بميسمها حيث كلُّ علامةٍ، حرفٍ هي/ هو صورةٌ لشيء من دمشق، كما لو أنَّ نزار قباني يقول لقرائه: قارنوا بين لغتي، شعري ودمشق فلن تجدوا سوى التماثل والتطابق يعصف بهما، فأنا دمشق ودمشق أنا!؟.
يكتب الشاعر :
«أريد أن أُحبَّكِ
حتَّى أسترجعَ تفاصيل بيتنا الدمشقيّ
غرفةً ... غرفةْ...
بلاطةً ... بلاطةْ ...
حمامةً ... حمامةْ ...
وأتكلَّمَ مع خمسين صفيحةِ فُلّ
كانت أمي تستعرضها كلَّ صباحْ
كما يستعرض الصائغُ
ليراته الذهبية»(3).
يتعلق الأمر بالمكان ــ البؤرة، المكان الأصل، بحضور دمشق في لغة الشاعر، حضور البيت الدمشقي، حضور الأم، فهذا الحضور بتجلياته المتنوعة يجرح لغة نزار قباني، بمعنى أنَّ «دمشق» بأجزائها، بتفاصيلها، وكائناتها ترقد غافيةً في تجاويف لغة الشاعر، واستيقاظها رهن بمحفِّزٍ «ما»، بإشارةٍ، إيماءةٍ في اتجاه الشاعر، وهكذا أمرُ «الحب» الذي لايكون إلا من أجل استعادة المكان ــ الأول، البيت الدمشقي الذي شَهِدَ الصرخة الأولى في إشارة إلى الإعلان عن تأسيس كينونة الشاعر، هكذا تنهمر مع الحبِّ: «أُحبُّك»، مع الألف، والحاء، والباء، والكاف تفاصيل الجنة الدمشقية التي ضمَّت الشاعر في لحظة «ما»: الغرف والبلاط والحمام وأحواض الفلّ، حيث الحبُّ ليس إلا إيماءة لاسترجاع صورة «الأم»، وهي تستعرض رأسمالها من صحائف الفُلِّ، تسهر على كينونة النبات، البيت والأمُّ، ولماذا لا نقول: «البيت ــ الأم»، فالبيت الأول يكثِّفُ في ذاته صورة الأم، الأنثى الأولى، وهي بدورها تختزل البيت في يديها، صوتها، ندائها، إذ صورة الأم تستدعي صورة المكان الأول، ولهذا غالباً ما تنهار هذه الصورة بانهيار/ موت الأم:
«بموت أمّي ..
يسقطُ آخر قميصٍ صوفٍ أُغطِّي بي جسدي
آخر قميصِ حنانْ ..
آخر مِظلَّةِ مطرْ ..
وفي الشتاء القادم ..
ستجدونني أتجوَّل في الشوارع
عارياً ..»
بموت الأمِّ، يفتقد المكان إلى السرِّ؛ إذ يفقد حنانه، ودفئه بل ألفته، ويحدث ذلك الشَّرخ، الصَّدع بين المكان والكائن ــ الشاعر، بموت الأمِّ، ينهار البيت، تنهار جدرانه التي تحمي ساكنيه، حيث يسقط آخر قميص صوف، ويصبح المكان لاــ مكان، عراء، هلع يبتلع الكائن؛ لتستبدّ به الوحشة والبرودة، ولهذا لايجد الكائن نفسه إلا مندلقاً في الشوارع عارياً من دفء المكان، فالمكان يكتسب ألفته من يدي الأم، وجهها، عينيها، ثيابها،...وبغياب تفاصيل الأم ينفتح على الكائن ــ الشاعر جحيمُ الغربة، بل إنَّ المكان يتمتع بوفاءٍ عالٍ، فها هو يعلن عن استقالته بموت الأم:
«رحمةُ الله على أمّي ..
فقد كانت تُحِبُّ الشَّامَ، والماء،
وزهر الياسمينْ ..
ثمَّ .. لمَّا رحلتْ
بكتِ الشامُ عليها
واستقالتْ بعدها
أنْهُرُ الشام جميعاً
وشُتُولُ الياسمينْ»
صورةٌ أخرى عن العلاقة السَّرية التي تجمع الأمَّ بالمكان، الأمَّ بـ«دمشق»، فالعلاقة بين المكان والكائن هي من العضوية بمكان، فما أن يموتَ الكائنُ حتى يعلن المكان عن حزنه، وتستقيل الأنهر من متابعة الحياة، وتذبل شتول الياسمين، وبغض النظر عن تقريرية هذا المقطع النصي وافتقاده للنصية، هذا الافتقاد للنصية الذي يهدِّد القسم الأعظم من شعر نزار، أقول بغض النظر عن ذلك؛ فإنَّ البعد المكاني يشتغل بعنفٍ في شعر نزار قباني، اشتغال ضارٍ حتى أنَّ «نزار» يتلمس طيف دمشق في تفاصيل المكان ــ الآخر عبر تداخل تناصي بين غرناطة ودمشق:
«شوارعُ غرناطةٍ في الظهيرةْ
حقولٌ من اللؤلؤ الأسود ..
فمن مقعدي
أرى وطني في العيون الكبيرةْ
أرى مئذنات دمشقَ ..
مُصَوَّرةً فوق كلِّ ضفيرةْ ..»(4).
يمسك الشاعر بخاصية التماثل بين غرناطة ــ المدينة الأندلسية ودمشق مكاناً وبشراً، دمشق التي فرَّت بحضارتها وأشيائها وكائناتها إلى بلاد الأندلس في لحظة تاريخية؛ لتسكن فضاء غرناطة، فاحتضنتها الأخيرة، لتعيد إنتاجها، فالعيون دمشقية، والمآذن ترتسم على الضفائر، ولهذا يأخذ التخيُّل الشاعر بعيداً، حتى يشعر أنه محاطٌ بحارات دمشق وناسها وأهلها. هذه دمشق، دمشق نزار قباني، دمشق التي تحتاز على موقع أثيرٍ في شعره، دمشق التي لا تغيب عن الشاعر أبداً حتى من خلال شغب عصفورتين:
«حَديثُكِ سجَّادةٌ فارسيهْ ..
وعيناك عصفورتانِ دمشقيتانِ ..
تطيرانِ بين الجدار وبين الجدارْ ..
وقلبي يسافر مثل الحمامة فوقَ مياه يديك،
ويأخُذُ قيلولةً تحت ظلِّ السِّوارْ ».
أحبك جداً
أحبك جداً
وأعرف أن الطريق إلى المستحيل طويـل
وأعرف أنك ست النساء
وليس لدي بديـل
وأعرف أن زمان الحنيـن انتهى
ومات الكلام الجميل
...
لست النساء ماذا نقول
أحبك جدا...
أحبك جداً وأعرف أني أعيش بمنفى
وأنت بمنفى
وبيني وبينك
ريحٌ
وغيمٌ
وبرقٌ
ورعدٌ
وثلجٌ ونـار
وأعرف أن الوصول لعينيك وهمٌ
وأعرف أن الوصول إليك
انتحـار
ويسعدني
أن أمزق نفسي لأجلك أيتها الغالية
ولو خيروني
لكررت حبك للمرة الثانية
...
يا من غزلت قميصك من ورقات الشجر
أيا من حميتك بالصبر من قطرات المطر
أحبك جداً
...
وأعرف أني أسافر في بحر عينيك
دون يقين
وأترك عقلي ورائي وأركض
أركض
أركض خلف جنونـي
...
أيا امرأة تمسك القلب بين يديها
سألتك بالله لا تتركيني
لا تتركيني
فماذا أكون أنا إذا لم تكوني
أحبك جداً
وجداً وجداً
وأرفض من نــار حبك أن أستقيلا
وهل يستطيع المتيم بالعشق أن يستقلا...
وما همني
إن خرجت من الحب حيا
وما همني
إن خرجت قتيلا
أشهد أن لا أمرأه إلا أنت
أشهد أن لا امرأة ً
أتقنت اللعبة إلا أنت
واحتملت حماقتي
عشرة أعوام كما احتملت
واصطبرت على جنوني مثلما صبرت
وقلمت أظافري
ورتبت دفاتري
وأدخلتني روضة الأطفال
إلا أنت ..
أشهد أن لا امرأة ً
تشبهني كصورة زيتية
في الفكر والسلوك إلا أنت
والعقل والجنون إلا أنت
والملل السريع
والتعلق السريع
إلا أنت ..
أشهد أن لا امرأة ً
قد أخذت من اهتمامي
نصف ما أخذت
واستعمرتني مثلما فعلت
وحررتني مثلما فعلت
أشهد أن لا امرأة ً
تعاملت معي كطفل عمره شهران
إلا أنت ..
وقدمت لي لبن العصفور
والأزهار والألعاب
إلا أنت ..
أشهد أن لا امرأة ً
كانت معي كريمة كالبحر
راقية كالشعر
ودللتني مثلما فعلت
وأفسدتني مثلما فعلت
أشهد أن لا امرأة
قد جعلت طفولتي
تمتد للخمسين .. إلا أنت
أشهد أن لا امرأة ً
تقدرأن تقول إنها النساء .. إلا أنت
وإن في سرتها
مركز هذا الكون
أشهد أن لا امرأة ً
تتبعها الأشجار عندما تسير
إلا أنت ..
ويشرب الحمام من مياه جسمها الثلجي
إلا أنت ..
وتأكل الخراف من حشيش إبطها الصيفي
إلا أنت
أشهد أن لا امرأة ً
إختصرت بكلمتين قصة الأنوثة
وحرضت رجولتي علي
إلا أنت ..
أشهد أن لا امرأة ً
توقف الزمان عند نهدها الأيمن
إلا أنت ..
وقامت الثورات من سفوح نهدها الأيسر
إلا أنت ..
أشهد أن لا امرأة ً
قد غيرت شرائع العالم إلا أنت
وغيرت
خريطة الحلال والحرام
إلا أنت ..
أشهد أن لا امرأة ً
تجتاحني في لحظات العشق كالزلزال
تحرقني .. تغرقني
تشعلني .. تطفئني
تكسرني نصفين كالهلال
أشهد أن لا امرأة ً
تحتل نفسي أطول احتلال
وأسعد احتلال
تزرعني
وردا دمشقيا
ونعناعا
وبرتقال
يا امرأة
اترك تحت شعرها أسئلتي
ولم تجب يوما على سؤال
يا امرأة هي اللغات كلها
لكنها
تلمس بالذهن ولا تقال
أيتها البحرية العينين
والشمعية اليدين
والرائعة الحضور
أيتها البيضاء كالفضة
والملساء كالبلور
أشهد أن لا امرأة ً
على محيط خصرها . .تجتمع العصور
وألف ألف كوكب يدور
أشهد أن لا امرأة ً .. غيرك يا حبيبتي
على ذراعيها تربى أول الذكور
وآخر الذكور
أيتها اللماحة الشفافة
العادلة الجميلة
أيتها الشهية البهية
الدائمة الطفوله
أشهد أن لا امرأة ً
تحررت من حكم أهل الكهف إلا أنت
وكسرت أصنامهم
وبددت أوهامهم
وأسقطت سلطة أهل الكهف إلا أنت
أشهد أن لا امرأة
إستقبلت بصدرها خناجر القبيلة
واعتبرت حبي لها
خلاصة الفضيله
أشهد أن لا امرأة ً
جاءت تماما مثلما انتظرت
وجاء طول شعرها أطول مما شئت أو حلمت
وجاء شكل نهدها
مطابقا لكل ما خططت أو رسمت
أشهد أن لا امرأة ً
تخرج من سحب الدخان .. إن دخنت
تطير كالحمامة البيضاء في فكري .. إذا فكرت
يا امرأة ..كتبت عنها كتبا بحالها
لكنها برغم شعري كله
قد بقيت .. أجمل من جميع ما كتبت
أشهد أن لا امرأة ً
مارست الحب معي بمنتهى الحضاره
وأخرجتني من غبار العالم الثالث
إلا أنت
أشهد أن لا امرأة ً
قبلك حلت عقدي
وثقفت لي جسدي
وحاورته مثلما تحاور القيثاره
أشهد أن لا امرأة ً
إلا أنت ..
إلا أنت ..
إلا أنت ..
أسألك الرحيلا
لنفترق قليلا..
لخير هذا الحب يا حبيبي
وخيرنا..
لنفترق قليلا
لأنني أريد أن تزيد في محبتي
أريد أن تكرهني قليلا
بحق ما لدينا..
من ذكرٍ غاليةٍ كانت على كلينا..
بحق حبٍ رائعٍ..
ما زال منقوشاً على فمينا
ما زال محفوراً على يدينا..
بحق ما كتبته.. إلي من رسائل..
ووجهك المزروع مثل وردةٍ في داخلي..
وحبك الباقي على شعري على أناملي
بحق ذكرياتنا
وحزننا الجميل وابتسامنا
وحبنا الذي غدا أكبر من كلامنا
أكبر من شفاهنا..
بحق أحلى قصة للحب في حياتنا
أسألك الرحيلا
لنفترق أحبابا..
فالطير في كل موسمٍ..
تفارق الهضابا..
والشمس يا حبيبي..
تكون أحلى عندما تحاول الغيابا
كن في حياتي الشك والعذابا
كن مرةً أسطورةً..
كن مرةً سرابا..
وكن سؤالاً في فمي
لا يعرف الجوابا
من أجل حبٍ رائعٍ
يسكن منا القلب والأهدابا
وكي أكون دائماً جميلةً
وكي تكون أكثر اقترابا
أسألك الذهابا..
لنفترق.. ونحن عاشقان..
لنفترق برغم كل الحب والحنان
فمن خلال الدمع يا حبيبي
أريد أن تراني
ومن خلال النار والدخان
أريد أن تراني..
لنحترق.. لنبك يا حبيبي
فقد نسينا
نعمة البكاء من زمان
لنفترق..
كي لا يصير حبنا اعتيادا
وشوقنا رمادا..
وتذبل الأزهار في الأواني..
كن مطمئن النفس يا صغيري
فلم يزل حبك ملء العين والضمير
ولم أزل مأخوذةً بحبك الكبير
ولم أزل أحلم أن تكون لي..
يا فارسي أنت ويا أميري
لكنني.. لكنني..
أخاف من عاطفتي
أخاف من شعوري
أخاف أن نسأم من أشواقنا
أخاف من وصالنا..
أخاف من عناقنا..
فباسم حبٍ رائعٍ
أزهر كالربيع في أعماقنا..
أضاء مثل الشمس في أحداقنا
وباسم أحلى قصةٍ للحب في زماننا
أسألك الرحيلا..
حتى يظل حبنا جميلا..
حتى يكون عمره طويلا..
أسألك الرحيلا..
أحبك
أحبك .. حتى يتم انطفائي
بعينين ، مثل اتساع السماء
إلى أن أغيب وريداً .. وريداً
بأعماق منجدلٍ كستنائي
إلى أن أحس بأنك بعضي
وبعض ظنوني .. وبعض دمائي
أحبك .. غيبوبةً لا تفيق
أنا عطشٌ يستحيل ارتوائي
أنا جعدةٌ في مطاوي قميصٍ
عرفت بنفضاته كبريائي
أنا – عفو عينيك – أنت . كلانا
ربيع الربيع .. عطاء العطاء
أحبك .. لا تسألي أي دعوى
جرحت الشموس أنا بادعائي
إذا ما أحبك .. نفسي أحب
فنحن الغناء .. ورجع الغناء ..
قصائد منتقاة بعناية فائقة.. تدل على صاحب الذوق الرفيع..
ReplyDelete